استقلال المساءلة التأديبية عن المساءلة الجنائية

 

أولًا: الأساس القانوني لاستقلال المساءلة التأديبية عن المساءلة الجنائية

تُعد المساءلة التأديبية نظامًا قانونيًا قائمًا بذاته، ومستقلًا عن النظام الجنائي، وإن كانت الوقائع المؤسِّسة لهما قد تتقاطع أحيانًا. ويؤسس المشرع المصري هذا المبدأ بوضوح في قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، حيث نص على ما يلي:

"لا يمنع انقضاء الدعوى الجنائية أو البراءة فيها من إقامة الدعوى التأديبية إذا كانت المخالفة الإدارية تشكل في ذات الوقت جريمة جنائية."

كما قضت المحكمة الإدارية العليا بأن:

"اختلاف الأساس الذي تقوم عليه الدعوى التأديبية عن أساس الدعوى الجنائية يؤدي إلى استقلال كل منهما عن الأخرى، فلا يُشترط لتحريك الدعوى التأديبية صدور حكم بالإدانة جنائيًا، كما أن الحكم بالبراءة لا يمنع من مساءلة الموظف تأديبيًا."
الطعن رقم 589 لسنة 45 ق.عليا – جلسة 28/2/2004

وبناء عليه، فإن صدور حكم جنائي بعقوبة الغرامة لا يعني بالضرورة وجود موجب لتحريك المساءلة التأديبية، ما لم يكن الفعل محل الإدانة يمس الواجبات الوظيفية.


ثانيًا: أثر الحكم بالغرامة الجنائية في المساءلة التأديبية

يتوقف تأثير الحكم الجنائي بعقوبة الغرامة على نطاق المساءلة التأديبية وفقًا لارتباط الفعل محل الغرامة بطبيعة الوظيفة العامة:

1- إذا كانت الغرامة بسبب جريمة تمس الوظيفة العامة:

كحالات الرشوة، التزوير، استغلال الوظيفة، الإضرار بالمال العام…
ففي هذه الحالات، يُعد الحكم الجنائي قرينة قوية تُبرر تحريك الدعوى التأديبية، بل قد تؤدي إلى أقصى العقوبات التأديبية، كالعزل أو الإحالة إلى المعاش، استنادًا إلى أن الفعل يشكل إخلالًا جسيمًا بواجبات الوظيفة.

2- إذا كانت الغرامة بسبب جريمة لا تتعلق بأعمال الوظيفة العامة:

مثل جنحة السب والقذف أو إرسال رسائل إلكترونية بكثافة أو مخالفة تنظيمية خارج نطاق العمل...
فهنا تملك الجهة الإدارية سلطة تقديرية في تقدير مدى تأثير الفعل على كرامة الوظيفة العامة أو سمعة الموظف الوظيفية.
وقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن:

"ليس كل إخلال في السلوك الشخصي للموظف يُبرر مساءلته تأديبيًا، ما لم يكن من طبيعة هذا السلوك أن ينعكس سلبًا على مركزه الوظيفي أو يؤثر على الثقة المفترضة فيه كموظف عام."
حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1244 لسنة 30 ق.عليا – جلسة 7/5/1988



 

0 تعليقات